البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو
رحلة إنسان وكلبه: إزاي فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو قدّم دراما إنسانية مختلفة؟
أفلام الجوائز خالد منصور دراما إنسانية رامبو الكلب ركين سعد سما إبراهيم سينما عربية 2025 صراعات الحياة عصام عمر فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبومحمد البدري
واحنا بنحجز تذكرة السينما لعرض فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، لاحظنا اختلاف مواعيد عرض الفيلم المعلنة على أفيش الفيلم عن المواعيد الفعلية، ولما سألنا موظف الحجز عن السبب، قال لنا إن نجاح الفيلم أجبرهم على تخصيص قاعات أكتر ومواعيد أكتر للعرض. وده مش مستغرب على فيلم فيه الكم ده من المشاعر الإنسانية الصادقة، مع المستوى ده من التنفيذ سواء من حيث الإخراج أو التمثيل، وطبعا القصة والسيناريو.
فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو بيورينا قصة حسن (عصام عمر)، الشاب المصري اللي بيعيش حياة مادية صعبة مع والدته ألطاف (سما إبراهيم)، بعد غياب الأب بشكل مفاجئ، خاصة مع محاولة سمكري سيارات اسمه كارم (أحمد بهاء) الاستيلاء على البيت اللي عايشين فيه علشان يوسع الورشة بتاعته، مستعملا في رحلته للسيطرة على البيت كل الوسائل المجرمة والغير قانونية لإخراج حسن وأمه من البيت. كل ده وحسن ماعندوش في حياته حاجة تستحق يعيش علشانها غير الكلب رامبو، كلب بلدي ذكي، بيعيش مع الأسرة حياتها اليومية وبيشاركهم الأكل والظروف المعيشية الصعبة.
بالشكل ده بيورطنا المؤلفان محمد الحسيني وخالد منصور في الأحداث من المشهد الأول، بدون تضييع وقت في أحداث مالهاش لزوم، وبدون الوقوع في فخ المط والتطويل.
أثناء ممارسة كارم لضغوطه على حسن، بيحاول يضربه، وهنا بيتدخل الكلب رامبو للدفاع عن صاحبه، ويعض كارم في منطقة حساسة من جسمه، ومن هنا بيتحول الصراع بين كارم والأسرة من إنه صراع على البيت، لصراع على الانتقام من الكلب اللي عمل عقدة لكارم بتمس مفهومه المشوّه عن الرجولة.
مع استحالة دخول حسن بجسمه الضعيف في مواجهة مباشرة مع كارم، وتصميم الأخير على الانتقام من رامبو، بيبدأ حسن رحلة البحث عن منفذ لصاحب حياته الوحيد. ومن هنا بنبدأ نتعرف أكتر على الظروف المحيطة بحسن، سواء في شغله كفرد أمن في مكان راقي بيحاول يخلي رامبو يبات فيه، أو بين حبيبته أسماء (ركين سعد) اللي بنشوف إنها ماقدرتش تصمد أمام ظروف حسن الصعبة وتمت خطبتها لشخص تاني. لكن علاقتها العاطفية بحسن مستمرة من بين سطور القصة.
أداء عصام عمر التمثيلي كان أكتر من رائع، واختياره للدور نفسه كان موفق جدًا. شاب مصري حقيقي وتقليدي سواء من ملامحه أو بنيته الجسدية، وهو ده بالظبط المناسب للدور ده. الحقيقة إن نجاح عصام في الدور مش وليد اللحظة. عصام موهبة فذة وحقيقية، لمع في دوره في مسلسل بالطو سنة ٢٠٢٣ وسبق وقدم دورًا مختلفًا في مسلسل بطن الحوت في نفس السنة، ومانقدرش ننسى دوره في مسلسل منورة بأهلها سنة ٢٠٢٢. كلها أدوار بتقول إننا أمام موهوب حقيقي، ومدقق في اختيار أدواره، وبيعامل موهبته بهدوء وبدون استغلال تجاري فج. ولو استمر عصام على نفس النهج اللي ماشي عليه، فإحنا قدام ممثل مصري محترف وقادر على استغلال أدواته كممثل للحد الأقصى. ومش هاننسى الماستر سين العظيم في الفيلم لما كان بيحكي عن علاقته بأبوه، والكاميرا بتتحول بهدوء من لقطة واسعة إلى لقطة ضيقة للتركيز على ملامحه وارتجاف وشه وتعبيرات عينه. مشهد واحد بيعرفنا إننا قدام ممثل من العيار التقيل.
بالحديث عن الكاميرا وحركتها، المخرج خالد منصور عرف يلعب بحرفية شديدة في فيلمه الطويل الأول، على إنه يوصل كافة الرسائل اللي عايز يوصلها كمخرج ومشارك في التأليف، بدون ما يقع في فخ استعراض العضلات الإخراجية والاهتمام بجماليات الصورة وحرفية الإخراج على حساب القصة، ودي غلطة شائعة بيقع فيها المخرجين في تجاربهم الأولى، لإن بيكون عندهم رغبة في تقديم نفسهم للمشاهدين وكأنهم بيقولوا لهم: (شوفوا إحنا نقدر نعمل إيه.. بصوا على إمكانياتي كمخرج). لكن الحقيقة إن منصور كان فاهم إن المشاهد العادي اهتمامه الأول بيكون بالقصة وتطور الأحداث على الشاشة قبل أي حاجة.
لكن خالد ماقدرش يمنع نفسه من تحويل كل كادر لقصة قايمة بذاتها. واستغلال رمزيات الكتابة على هدوم البطل، والكتابة على حائط المسجد، وحتى أبسط المشاهد اللي كلها كان فيها دلالات عبقرية. مع توظيف رائع للإضاءة زي تغيرها على وجه عصام عمر إلى الأحمر الدموي وهو منفعل أثناء مكالمته مع أمه، مثلًا. الإضاءة تم إيجاد حل واقعي لها من خلال جعلها منعكسة من كشاف السيارة في محطة البنزين، علشان ماتكونش مُقحمة على القصة. ودي لقطة واحدة من بين كذا لقطة تورينا إننا أمام مخرج مختلف، انتماؤه الأول للقصة وإن كان مهتم ضمنيًا بجماليات المشهد والرسمة الحلوة للكادر. كنا بس محتاجين بعض الإضاءة الأقوى شوية في بعض المشاهد، وفاهمين الرغبة في اللعب بمشاعر الجمهور باستخدام الإضاءة الخافتة في كتير من مشاهد الفيلم، لكن أحيانًا كنا بنجد صعوبة في الفرجة على بعض المشاهد بسبب ضعف الإضاءة.
النجاح الحقيقي لكل صناع الفيلم هو قدرتهم على تطويع وتوظيف الكلب رامبو في الأحداث. الأفلام العربية اللي بتتكلم عن علاقة الإنسان بالحيوان مش كتير، لكن البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو عرف يوازن بين تقديم علاقة حقيقية وصادقة وبين الاستعراض بقدرتهم على تدريب الكلب وتحويله لبطل من أبطال الفيلم بلا مبالغة. وزي ما عرفنا من الكواليس، تم الاستعانة بكلبين لتخفيف الضغط عليهم في التصوير، وتمت معاملة رامبو كواحد من الأبطال. وحتى لما ظهر في لقاءات إعلامية، كان بمظهر يليق ببطل حقيقي، والأروع طبعًا هو الاهتمام بعدم تعرضه لأي أذى أثناء التصوير، حتى في المشاهد اللي المفترض إنه تعرض فيها لأذى.
لا يمكن نخلي كراهيتنا لشخصية كارم على الشاشة، تنسينا إن وراها فنان متميز زي أحمد بهاء (بوب)، واللي أدى الدور بشكل رائع كشرير بيمثل الخطر المحدق على الشخصيات اللي بنحبها. كان نفسنا بس يتم تسليط الضوء على الشخصية بشكل أفضل في مرحلة الكتابة، بحيث نشوف جوانب مختلفة لشخصيته غير إنه مجرم غشيم بيحل كل مشكلة بالعنف.
ركين سعد في شخصية أسماء قدمت أداء جيد، ملامحها المصرية وحجابها البسيط – رغم إنها أردنية – خلّوها شخصية محببة لنا في كل ظهور لها على الشاشة. لكن كنا نتوقع “تخديم” أفضل من كده في السيناريو عليها. ولو كنا بنكتب الفيلم، كنا هانخلي لها مشهد مصارحة مع حسن بحقيقة مشاعر كل واحد منهم ناحية التاني والأسباب اللي خلتها تسيبه. لكن في نفس الوقت، بنحترم رغبة صناع العمل في إنهم يخلونا نستنتج الأسباب بدل من الكلام عنها بشكل مباشر.
البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو إضافة ممتازة للسينما العربية. فيلم بيعيد الربط بين سينما المهرجانات والجوائز، وبين قدرة النوعية دي من الأفلام على جذب المشاهد العادي. وتقديم معادلة سينمائية رابحة تجمع بين النجاح الجماهيري والنقدي في نفس الوقت. معادلة صعبة، لكنها مش مستحيلة طول ما عندنا النوعية دي من الكوادر الفنية.