حي الزبالين: دير للراهبات السود ومدرسة للتدوير ومشهد إستثنائي للمقطم
Rehab Loay
أول ما هـ تسمع كلمة حي الزبالين
أكيد هـ تنفر من الاسم، ويتكون في ذهنك مشهد لكم كبير من الزبالة والقاذورات
والريحة الوحشة. مشهد مش حلو أبداَ، لكن هـ تتعجب لما تعرف أن حي الزبالين اللي في
منشية ناصر هو أحد المزارات السياحية اللي بـ يطلب كتير من السياح زيارتها لما بـ ييجوا
مصر، وده لأن له صيت عالمي. لو مش متأكد من الكلام ده أقف على مدخله شوية وشوف أتوبيسات
السياحة اللي داخلة، وجواها السياح مندهشين من الحي، ولما بـ يخرجوا منه بـ يكونوا
مش ندمانين أبداً على زيارته، لأنه هو وسكانه بـ يثبتوا بإستمرار أنه حي المفاجآت.
لما تنزل من العربية في منشية
ناصر، وتبتدي تطلع المطلع المميز جداً للحي، وتبتدي تدخله مش ممكن هـ تصدق أن
المكان الجميل ده اسمه “حي الزبالين”، من الفيلات، والخضرة، والهواء النظيف،
والورد الموجود كمان، لكن الشيء الغريب أنك ممكن تبقى جنبه ومحدش يقولك أن هو ده
حي الزبالين. الناس هناك مش بـ يحبوا الاسم ده، لأن كلمة زبال في مصر وصمة، رغم أنها
مهنة أشرف كتير من مهن مسئولين طلعوا في الآخر حرامية!
الناس هناك بـ تخاف من وسائل
الإعلام جداً، لأنها طول الوقت بـ تجيبلهم مشاكل. خاصةً في النظام القديم لأنه كان
ضدهم على طول الخط، وكل ما بـ يظهروا يجيلهم مخالفات ومشاكل كانت بـ تضايقهم
وتخليهم يكرهوا أي حد من الإعلام.
لما توصل هناك وعشان تدخل الحي
عليك أنك تطلع ممر صخري مش طويل قوي، طلوعه متعة، ولما هـ توصل فوق، هـ تلاقي هواء
نظيف ونادر جداً حوليك. هـ تبص شوية هـ تلاقي فيلل أغنياء الحي، ومنهم شحاتة
المقدس، نقيب الزبالين. لما هـ تبتدي تدخل في الحي شوية، هـ تبتدي تلاقي البيوت
تختلف، ما بين ضخمة، ومتوسطة، ولحد ما تلاقيها بقت أكواخ. الحي ده مثال حي على
أهمية العمل، وأنه من جد وجد، والغريب أنه لا الفقراء ولا الأغنياء بـ يسيبوه،
الكل قاعد فيه وسعيد، بـ يحاول يدور على لقمة عيشه.
الحي بـ يسكنه 50 ألف شخص، الأقباط
منهم 85%، ومع ذلك واجهات المباني مش بـ تخلو من آيات القرآن، وجنبها على طول
الصلبان وآيات الإنجيل.
التجول في الحي لوحده متعة، لكن مش
التجول بس اللي متاح، فيه كمان مزارات سياحية كتيرة، زي دير سمعان الخراز، ودير
بنات مريم، ودير الراهبات السود، والأخير ده له حكاية عجيبة جداً هـ نحكيها لكن
بعد ما نقول أن الحي فيه حاجة أغرب، وهي مدرسة التدوير. أيوه، فيه مدرسة هناك
اسمها مدرسة التدوير، بـ يدخلها الأطفال، يتعلموا فيها الفرز، والتدوير، وبـ ياخدوا
فلوس كمان، وبـ يطلعوا متخصصين في عمليات الفرز، خاصةً وأن 95% من الزبالة اللي في
الحي بـ يتم تدويرها وإعادة تصنيعها من جديد في صورة ورق وبلاستيك وحديد، وبـ تدخل
في صناعات جديدة.
نرجع لموضوع دير الراهبات السود،
الدير ده غريب جداً، وغامض جداً، ومش معروف، لأنه بـ يرفض أي حد من الإعلام يصور
فيه أو يعرف عنه معلومات، مش زي دير سمعان الخراز ولا بنات مريم، ممكن لو رحت تقول
اه، هو مش معروف عشان مش باين، صغير وممكن تعدي جنبه وماتحسش بوجوده، ويمكن عشان
مش مبهرج ومش كله زخرفة، زي باقي المباني الدينية، لكن الأكيد أن اللي جواه بـ يعملوا
أعمال عظيمة، ومش بـ يحبوا أن حد يعرف عنها غير المستفيدين بيها وبس.
رحنا هناك، ودخلنا الدير اللي مش كتير يعرفوا أنه موجود أصلاً،
أول ما دخلنا الدير كان فيه إحساس بالنقاء غريب جداً. المكان جنة فعلاً رغم أن
مساحته مش واسعة، التصوير هناك ممنوع بأمر الراهبات، والمعلومات على شبكة الإنترنت
شحيحة جداً عنه.
في الدير ده ممنوع دخول الكسل واللامبالاة والكره، مسموح
بس أنك تدخل كإنسان وتشوف البشر بـ يتعاملوا إزاي بإنسانية، لأن الهدف واحد وواضح،
وضعته الأم تريز والراهبات لسّه بـ يحاولوا ينفذوه لحد دلوقتي.
الدير كله على بعضه دور واحد، ولمّا كنا هناك، خبط
الباب، وكان فيه أطفال كتير جداً جداً برة، عايزين يدخلوا بأي طريقة، لدرجة أني توقعت
أن الراهبات بـ يوزعوا حاجة حلوة أو حاجة شبه كده، لكن إكتشفت أنهم عايزين يدخلوا
عشان ميعاد الدرس جه!
عمرنا في حياتنا ما شفنا أطفال ملهوفين على دخول حصة
خاصةً لو كانت إنجليزي، بالشكل ده، فسألت الأطفال عن طريقة التعليم، فقالوا السيستر
بـ تدينا دروس، من غير فلوس، وبـ نفهم منها، ومش بـ تضربنا، ولمّا محدش بـ يفهم بـ
تحاول تفهمه، ولما بـ يكرر الغلط عن عمد بـ تقوله يخرج ومش بـ تسمحله يرجع تاني.
الدير ده بـ يعيش فيه راهبات اسمهم الراهبات السود، ودول
مجموعة من الراهبات الهنديات الوافدات على القاهرة، كلهم لابسين زي موحد شبه الزي
اللي كانت بـ تلبسه الأم تريز، وهو عبارة عن ساري أبيض، له إطار أزرق، وصليب على
الكتف الشمال، وإختارت الأم تريز الألوان ديه عشان الراهبات يكونوا مميزات واللي
محتاج لهم يقدر يتعرف عليهم لما يشوفهم.
رحنا للأم الرئيسة وكانت متحفظة جداً، قالت أنها كانت بـ
تخدم قبل ما تيجي القاهرة في موريتانيا، وجات مصر، ودلوقتي بـ تقوم في الدار بخدمة
14 سيدة مُسنة، بـ يقدموا لهم الأكل والملابس. ده غير رعايتهم للأطفال الصغيرين
لحد ما أمهاتهم تروح الشغل وترجع، غير الدروس المجانية لأطفال الحي. المكان مثير وجميل ومغري بالزيارة، وأكيد ده مش
أول ولا آخر مكان غير مُسلط عليه الأضواء نكتشفه في القاهرة، المدينة الساهرة
الساحرة.