The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

الفنانين اللي اشتغلوا مع المُخرج العبقري المصري يوسف شاهين، بيحكوا عن اللحظة اللي بيمثلوا فيها مشهد تراجيدي تحت إدارته. وعن اللحظة اللي بيثبت فيها شاهين الكاميرا عند وش الممثل، ويبدأ يتكلم معاه عن لحظات شخصية صعبة في حياته. زي موت حد عزيز أو لحظة انكسار حقيقية. لحد ما يبدأ الممثل في البكاء، ولحظتها يشاور شاهين للكاميرا علشان تلقط اللحظة بأداء حقيقي. إيه علاقة ده بفيلم The Whale ؟!

فيلم The Whale بيحكي عن أستاذ متخصص في تدريس الكتابة، بيعاني من مشكلة كبيرة بتتمثل في زيادة وزنه بصورة خطيرة، وبشكل بيهدد حياته. وبدل ما يحاول يتعالج، بيستسلم تشارلي – وده اسم بطلنا- للموت البطيء، من خلال عادات أكل غير صحية، ولامبالاة مُرعبة بوضع صحي مُتردي. وكأنه بيعاقب نفسه على فشل قصة حب دخل فيها، أو فشله في التواصل مع بنته بعد انفصاله عن زوجته. إيه علاقة كلامنا ده بيوسف شاهين؟!

بطل الفيلم برندان فريزر على الرغم من مسيرته التمثيلية القوية، تعرض في السنوات الماضية لهزات شخصية أثرت على شغله بشكل كبير. نتيجة ادعاؤه أنه تعرض لاعتداء جنسي، وشك البعض من الجمهور وأهل هوليوود نفسهم في صحة الاعتداءات دي. وده أدى لابتعاده عن الساحة الفنية وأن مابقاش فيه حد عاوز يشتغل معاه.

فريزر بتجيله فرصة عمره أنه يعمل دور مُختلف عن الأدوار الخفيفة الكوميدية اللي كان بيعملها قبل كده. من هنا بتظهر أهمية عرض المخرج دارين آرنوفسكي لفيلم The whale. بكل ما يحمله الدور من تحديات على صعيد الشكل، علشان كان لازم يتم زيادة وزن البطل بما يتناسب مع الدور، ثم تتدخل المؤثرات الخاصة والحيل السينمائية علشان تورينا جسده المترهل. وطبيعة علاقته بالبشر اللي نقلت الفيلم لتصنيف رقابي أعلى بسبب طبيعة الفيلم بالكامل. بس دي طبيعة أفلام المخرج أرنوفسكي، (حوت) الإخراج اللي مش بيقبل غير بأعمال قادرة على أنها تصدم المشاهد وتطلعه بره منطقة الأمان بتاعته.

ومن هنا بنفهم ليه تفوق فريزر في مشاهد التراجيديا في الفيلم، لأنه في الحقيقة كان في مواجهة مع فرصه الضائعة، واقترابه من الاكتئاب نتيجة ابتعاد هوليود عنده. وده خلاه (حوت) تمثيل حقيقي، سبيل نجاته الوحيد هو أداؤه العبقري في تجسيد شخصيته.

الظروف وضعت فريزر كممثل في مواجهة مع تشارلي، الشخصية اللي بيقدمها في الأحداث، وحصلت حالة توحد بين الاتنين زي ما كان يوسف شاهين بيضع أبطاله في مواجهة أحزانهم الشخصية. وده يفسر لنا ليه شوفنا واحد من أفضل الأداءات التمثيلية مؤخرًا.

لكن إن كانت قوة تمثيل فريزر نابعة من تجربته الشخصية، لازم نشيد بأداء سادي سينك في شخصية إيلي، اللي نجحت في أنها تخلينا نكره شخصيتها في الفيلم ونشعر أد ايه هي ابنة عاقة، ثم نبدأ نخوض رحلتنا مع شخصيتها علشان نكتشف أنها مجرد ضحية للهجر الأسري وتفكك العلاقات الإنسانية، مش جانية.

نفس الفكرة تنطبق على هونج تشاو في دور صديقة البطل (ليز)، وإزاي نجح السيناريو يكشف لنا أبعاد كل شخصية بالتدريج، ويسيب لنا حرية نقلهم من خانات الأشرار للطيبين على حسب تفسيرنا للقصة، فقط علشان نكتشف أننا في النهاية أصبحنا متورطين في جريمة إنسانية، وهي جريمة الحُكم المبكر على الأشخاص والأحداث.

ومن هنا بتيجي العبرة من الفيلم.. ما تحكموش على الناس بسرعة لأنكم مش عارفين سبب الوضع الحالي اللي هم عليه.

فيلم The Whale بيحمل أيضا رسالة قوية بخصوص إزاي يتعامل الانسان مع التحديثات اللي بتواجهه في حياته. تشارلي لما بيفشل في مواجهة معاناته وحل مشاكله، بيلجأ للعزلة والأكل، وده وإن كان حل سهل، لكنه حل غير مناسب للمشكلة، والنتائج في النهاية بتكون كارثية.

The Whale بمثابة صرخة ضخمة، ضد الحكم المبكر على الأشخاص، وضد الهرب من مواجهة المشاكل، وضد الزيف وترديد الشعارات المحفوظة. صرخة ضخمة بحجم حوت.. لكن المرة دي في السينما مش في البحر!