The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

في أوائل السبعينيات غنى أحمد عدوية من تلحين هاني شنودة، أغنيته الشهيرة: زحمة يا دنيا زحمة. وفي سنة 2024 انتقلت الزحمة من الشوارع والقهاوي، لزحمة في الدماغ، زحمة حجبت قدرتنا القديمة على أننا ننفرد بنفسنا ونقعد قعدة صافية مع النفس، كتاب إنت والتانيين للكاتبة شيماء الجمال الصادر عن دار تشكيل للنشر والتوزيع، بيوفر لنا قعدة هادية مع النفس، نفهم فيها إزاي نتعامل معاها، وإزاي نتعامل مع الناس التانيين في حياتنا.

الكتاب مكون من 260 صفحة تقريبًا، ومكون من قسمين، الأول هو “إنت” وبتناقشنا شيماء فيه عن علاقة الانسان بنفسه، ثم القسم التاني بعنوان “التانيين” وبنشوف فيه إزاي ممكن نعمل علاقات صحية مع الآخرين، بعد ما أصبحت علاقتنا مع نفسنا أحسن وأقوى. كل ده مستمد من مشوار طويل قضته شيماء في الدراسة العميقة للنفس البشرية، خاصة بعد محنة صعبة تعرضت لها في 2016 اتكلمت عنها في مقدمة الكتاب.

قرأت ودرست.. مئات الساعات علشان أقدر أمد إيدي وأحاول أساعد.. أصبحت الآن مشيرة نفسية ولايف كوتش معتمدة.. وابتدا المشوار.. في الكتاب ده، بنقل لكم خلاصة إللي عشته وقرأته وفهمته خلال السنين إللي فاتت..

الميزة في “إنت والتانيين” أنه مكون من مقالات منفصلة متصلة، بمعنى أن كل مقال قابل للقراءة لوحده تماما، وبدون ترتيب معين، وفي نفس الوقت إجمالي المواضيع بيصب في موضوع الكتاب ككل. احنا اختارنا نقرأ الكتاب بنفس الترتيب اللي وضعته شيماء الجمال، وحسينا أنه بالشكل ده كان مُرتب بعناية ومُسلسل بترتيب منطقي ممتاز.

زي ما قولنا، الكتاب بيمثل ما يشبه الدردشة الصافية الهادية مع صديق واعي فاهم في علم النفس، وبيتكلم عن دراية عقلية، وتقبل انساني عالي، ساعد على شعورنا بالراحة النفسية أثناء القراءة، الإخراج الداخلي لصفحات الكتاب، برسوماته المعبرة، واختيار الفونتات الجميلة، والتناغم الحلو بين توزيع النص والكتابة.

في بعض الصفحات حسينا أن شيماء بتمد إيدها بقلم جاف علشان تشرح لنا فكرتها على الورق بخط اليد، ودي كانت حيلة ذكية منها جعلتنا نرتبط أكتر بالكتاب، وجعلت أصعب الأفكار سهلة جدًا أننا نفهمها ونتقبلها. لكن كان فيه مفاجأة تانية في “إنت والتانيين” غير الرسومات الجميلة، التمارين العملية المتضمنة في الكتاب، واللي محتاجه قلم علشان القارىء يكتب بنفسه المطلوب منه. ودي حاجة كفيلة بأنها تضرب فائدتنا من الكتاب أربع أضعاف!

معنى كلامنا، أنك تقدر تتعامل مع (إنت والتانيين) على أنه كتاب خفيف لطيف عن تعامل الانسان مع نفسه والآخرين، من كاتبة صاحبة تجربة عملية وعلمية في المجال، أو أنك تتعامل معاه على أنه زي (كراسة الأول) اللي كنا بنذاكر فيها زمان وكان فيها مساحات لكتابة الإجابات، وده هايخليه كتاب متوسط الحجم عالي الأهمية ونافع جداً للقارئ.

السعي المستمر للكمال هدف مستحيل؛ عمره ما هيوصّلنا للسعادة، وهيحرمنا من الإحساس بالرضا بكل اللي بنحققه في حياتنا، وأكتر حاجة مشهورة عند الساعين للكمالية المقارنة؛ تقارن نفسك بحد شغله أحسن أو إنت شايف إن شكله أجمل أو معاه فلوس أكتر أو عايش عيشة تبدو مرتاحة أكتر منك، والسوشيال ميديا الصراحة ساعات بتزوّد الإحساس ده، دا -مع الوقت- بيعمي عينك عن الإيجابيات اللي عندك، خصوصًا لو مش بتمارس عادة الامتنان والحمد بشكل يومي.

وعلى العكس من كُتاب تانيين، شيماء الجمال مش بتبطل طوال الوقت أنها تعمل لنا إحالات لكُتب تانية، بالإضافة لذكر المصادر اللي اعتمدت عليها لكتابة كل مقالة في الكتاب، ودي حاجة جميلة مش متعودين عليها مع بعض الكُتاب اللي بيحب ينسب الفضل كله لنفسه ويذكر أقل قدر ممكن من المصادر -أو يتجاهلها تمامًا- لكن ومع ذكر مصادر المعلومات، حسينا أن “إنت والتانيين” عبارة عن عصارة وملخص مجموعة ضخمة من الكتب والمقالات بالعربي والانجليزي، مضروبين في الخلاط ومتقدمين في “سموزي” جميل برسومات جذابة وتمارين تفاعلية.

مقالات الكتاب بتناقش مواضيع غاية في الصعوبة بطريقة سهلة ومبسطة، وخصوصا في قسم “التانيين” بنشوف مواضيع زي السلوكيات الادمانية، التعامل مع الحساسية المفرطة، نوبات الهلع، العلاقات الاعتمادية، العنف الزوجي، لغات الحب، وغيرها من المواضيع، لكن أسلوب شيماء السلس خلانا نعدي من كل المواضيع دي بسهولة وعمق في نفس الوقت، وده يحسب لها.

في العلاج النفسي التخطيطي Schema Therapy فيه حاجة اسمها مخطط الحرمان العاطفي. البالغين اللي بيعانوا من المخطط دا بيحسوا إنهم مش جديرين بالحب، وإنهم مش هيلاقوا اللي يحبهم بالشكل الكافي، وإن ما حدش هيقدر يفهمهم أو يتعاطف معاهم. وعلشان كدا نلاقيهم بيقعوا في فخ التفكير السلبي، ويتنبأوا بفشل العلاقة وكإنهم شايفين الغيب، وبيأكدوا إن أي شخص هيدخل معاهم في علاقة مش هيحبهم ومش هيعرف يحتويهم.

من أكتر الحاجات اللي عجبتنا في “إنت والتانيين” أنه مش “نسوي” بمعنى أنه مش موجه للبنات والسيدات فقط، وممكن أي حد يقرأه ويلاقيه مناسب له، ويستفيد منه استفادة ضخمة.

لكن ممكن ناخد على شيماء، أنها ما طولتش شوية في جلستها مع القارئ، وحسينا مع نهاية سطور الكتاب أننا كنا محتاجين جرعة أكبر من كل شيء، ولو كنا بنتساهل مع ده في أعمال شيماء الأولى (كتاب حتة مني وكتاب البسكوتة والدحلاب وكتاب سنة أولى نفسية) صعب نتساهل في كتاب شيماء السادس إجمالا، والرابع في مناقشة موضوعات نفسية. علشان كده لو شبهنا الكتاب بجلسة مع صديق واعي في بداية موضوعنا، كنا محتاجين الجلسة تكون أطول، علشان ناخد جرعة أكبر من كل شيء.

“إنت والتانيين” ممكن يكون كتاب لطيف عن علاقتنا بنفسنا والأخرين، وممكن يكون واحد من أهم الكُتب اللي هاتقروها في حياتكم، طريقة تعاملكم مع الكتاب وأداء التمارين اللي فيه هي اللي هاتحدد النتيجة، لكن في كل الأحوال مش هاتحسوا معاه بالملل، أو بأنكم ما خرجتوش من دردشتكم الهادية بفائدة.. بعيدا عن الزحمة وتوهة الحبايب في أغنية عدوية.